فصل: البحث الثاني ووصفه ومنفعته

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تشريح القانون **


  الفصل الحادي والعشرون تشريح الرسغ

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه الرسغ مؤلف من عظام كثيرة‏.‏

إلى آخر الفصل الشرح قد خلق مشط الكف من عظام كثيرة المنافع هناك‏:‏ إحداهما‏:‏ أن لا يعم ما يعرض من الآفات‏.‏

وثانيتها‏:‏ ليمكن أن يتقعر تارة ويتسطح أخرى‏.‏

وذلك بحسب الحاجة إلى التشكل بشكل المقبوض وهذه الحركة خفية جداً لأن مفاصلها موثقة‏.‏

وثالثتها‏:‏ ليكون لما ينفذ من ظاهر الكف إلى باطنه وبالعكس من العصب والعروق منفذ‏.‏

وخلق من عظام صلاب عديمة المخ‏.‏

أما صلابتها فلقلة الحاجة فيها إلى الحركة وأما فقدانها المخ فلأنها لإفراط صغرا لا تحتمل التجويف وأشكالها مختلفة وذلك لأن فيها مواضع محدبة ومواضع مقعرة ومواضع مستديرة ومواضع مستقيمة وكلها محدبة الخارج مقعرة الداخل للسبب الذي نذكره في الأنامل‏.‏

وهي مشدودة برباطات قوية بين الغضروفية والعصبية وتحدث بينها مفاصل موثقة وبعضهم ظن أنها ملتحمة بعضها ببعض‏.‏

وعددها ثمانية ثلاثة منها في الصف الذي يلي الساعد تجتمع أطرافها لتكون كالعظم الواحد ويدخل المجتمع منها في الحفرة التي في رأس الزندين بحيث يكون الأعظم منها وهو الوسط في الحد المشترك الذي بين الزندين والثالث منها‏:‏ يحتوي عليه الزند الأعلى ويحدث هناك مفصل سلسل بحركة الكف انقباضاً وانبساطاً‏.‏

وأربعة في الصف الذي يلي مشط الكف وإنما زيد هذا لأنه يلقى عظاماً أربعة منفرجة انفراجاً ما‏.‏ فاحتيج أن يكون بعددها وقريباً من انفراجها‏.‏

وأما الصف الأول‏:‏ فإنه يلقى طرف الزندين وهو دقيق بالنسبة إلى عظام المشط فخلق لذلك ثلاثة عظام منضمة‏.‏

والأعلى من كل صف أكثر انفراجاً مما هو منه أسفل‏.‏

وأما العظم الثامن فليس يدخل في أحد الصفين بل هو في الحقيقة للرسغ كالزائد وهو موضوع نحو الخنصر وفي طرف الأسفل نقرة يدخل فيها رأس العظم المسمى مسلة وميلاً‏.‏

وهو الخارج من وراء الحفرة التي في طرف الزندين‏.‏

وبالمفصل الحادث بينهما حر تتم حركة الكتف في الانقلاب والانبطاح وهذا العظم يوقي عصبه باقي الكف لئلا تنالها آفة ومعظم المقصود به إنما حدوث مفصل الانقلاب والانبطاح الذي ذكرناه‏.‏ والله ولي التوفيق‏.‏

  الفصل الثاني والعشرون تشريح مشط الكف

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه ومشط الكف أيضاً مؤلف‏.‏

إلى آخر الفصل الشرح وقد كثرت عظام المشط للمنافع التي ذكرناها في عظام الرسغ ولكن هذا صف واحد وذاك صفان وإنما لم يخلق هذا صفين لئلا يطول الكف جداً فيكون قبضه واهياً ويبعد عن الهيئة الكرية عند القبض ومفاصل هذه العظام عسرة غير موثقة‏.‏

وقوله‏:‏ هاهنا وهذه العظام موثقة المفاصل يعني بهذا الإيثاق بالمفهوم اللغوي لا المعنى المصطلح عليه الذي تقدم ذكره‏.‏

لأنه قال في أو ل كلامه في العظام‏:‏ والمفصل العسر غير الموثق هو أن تكون حركة أحد العظمين وحده صعبة وقليلة المقدار مثل المفصل الذي بين الرسغ والمشط أو مفصل ما بين عظمين من عظام المشط فلذلك حركة هذه العظام أظهر كثيراً من حركة عظام الرسغ‏.‏

وأما قول جالينوس‏:‏ إن مفاصل ما بين الرسغ والمشط موثقة فإن اصطلاحه أن المفصل الموثق هوا لذي تكون حركة أحد عظميه خفية‏.‏

والله ولي التوفيق‏.‏

  الفصل الثالث والعشرون تشريح الأصابع

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه الأصابع آلات تعين‏.‏

إلى آخر الفصل‏.‏

الشرح إنما سنذكر بعد فراغنا من شرح تشريح العظام بحثاً مفرداً في اختلاف الحيوانات في الأعضاء الطرفية‏.‏

والذي نقوله الآن‏:‏ إن الإنسان إنما احتيج أن تكون يداه على ما نصفه من إحكام التركيب وكثرة جهات الحركات لأن ملبسه ومأكله وسلاحه كل ذلك صناعي فيحتاج أن يكون له تمكن من مباشرةً أعمال الصناعات أكثر من غيره وعمله بذلك أكثره باليدين فيجب أن تكون يداه أكثر إحكاماً وتفنناً في الحركات من سائر أنواع الحيوان وأصابع الإنسان إن لم تكن ذوات عظام لم تكن قوية على الأعمال‏.‏

وإن كانت ذوات عظام فإما أن تكون كل واحدة من عظم واحد فلا يكون لها تفنن كثير في جهات الحركات أو من عظام كثيرة فأما أكثر من ثلاثة فيكون تركيبها واهياً بقدر الزيادة على الثلاثة أو أقل من ثلاثة فتكون جهات الحركات وتفننها أقل بقدر ما نقص عن الثلاثة‏.‏

ولذلك كان الأولى أن تكون كل واحدة منها من ثلاثة عظام لأن هذا التركيب كفى في القوة وجهات الحركات وتفننها وتسمى هذه العظام سلاميات ولما كان الحامل يجب أن يكون أقوى من المحمول وجب أن تكون هذه العظام كل سلامية أنملة أصغر مما دونها ورأس كل سلامية أصغر من قاعدتها ويجب أن تكون صغاراً جداً لئلا تثقل الأصابع وتغلظ فيعسر دوام حركتها ويجب أن يكون صلباً لتكون قوية فلا تنكسر عند مباشرة الأشياء الصلبة والحركات القوية ويجب أن تكون قاعدة التجويف والمخ لأجل إفراط صغرها ويجب أن تكون مستديرة لتبعد عن منال الآفات‏.‏

ولم يمكن أن تكون محدبة من داخل لئلا تفوت جودة القبض على الأشياء لأن المقعر أعون على جودة القبض بسبب جودة اشتماله وكذلك هو أجود فيما يحتاج إليه من الحركات الدلك والغمز ونحو ذلك فخلقت مقعرة من داخل محدبة من خارج لفقدان الحاجة إلى هذه الأغراض من خارج مع أن المحدب مما تقل معه عروض الآفات وأصبر على ملاقاة المصادمات وخلقت مستقيمة لأن ذلك أمكن في الأعمال إذ لو كانت معقفة لم يمكن اشتمالها لجميع أجزائها على ذوات الأحجام الكبار ولم يجعل لبعضها عند بعض تحديب لئلا يعرض بينهما خلل يمنع من ضبط السيالات والأشياء المفرطة الصغر وخلق للخنصر والإبهام تحديب من غير جهة الأصابع لتكون اليد عند القبض مستديرة فيكون أو سع وأبعد عن قبول الآفات وفائدة اللحم الذي عليها أن يدعمها فلا يكون تركيبها واهياً وأكثر ذلك من داخل السطح ليكون لذلك السطح أن يتشكل بشكل المقبوض فيكون اشتماله عليه أتم وأقله من خارج لفقدان هذا الغرض هناك وليكون الضرر بخارجها أكثر إيلاماً عند اللكم ونحوه‏.‏

ولئلا يزداد ثقلها فتضعف حركاتها وأما في جانبي الأصابع فإن اللحم بقدر وسط أما نقصانه عن الباطن فلفقدان الغرض منه وأما زيادته على ما في الظاهر فليسد الخلل الذي قد يقع بين الأصابع فيجود قبض الأشياء الصغيرة جداً والسيالة ولهذا وفي لحم الأنامل ليجود سده لما يحدث من الخلل عند رؤوسها حالة القبض وليجود إمساك الأشياء الصغيرة جداً لأن اللحم يتشكل بشكل ذلك الممسوك ويحفظه عن السقوط ولذلك لا يجود إمساك ما صغر برؤوس الأظفار ولما وجب أن تكون جملة اليد عند القبض على هيئة مستديرة وجب أن تكون الوسطى منها أعظم وكذلك ما يليها من الجانبين وصغرت الأطراف لأن هذه الهيئة تلزمها الاستدارة حال القبض ولو خلقت على طول واحد لزم ذلك أن يكون عند القبض غير متساوية وضع الأطراف فتبقى عند طرف الوسطى خلل كبير ودونه عند أطراف ما يليها من الجانبين ولما وجب أن تكون الوسطى أطول وجب أن تكون عظامها أطول‏.‏

وأما ما يجب أن يكون قصيراً فإن كان وضعه على صف الطويل كما في الخنصر وجب أن تكون عظامه أصغر وأما ما لا يكون كذلك كالإبهام جاز أن يكون في نفسها طويلة وعظامها طوالاً لكن بخروج موضع أصلها عن الصف إلى أسفل تكون في حكم القصيرة والقصيرة الأجزاء وخلقت البنصر أطول من السبابة لأن السبابة يكون طرفها عند القبض على اللحم الناتئ بقرب أصل الإبهام والسبابة يكون طرفها حينئذ بين اللحمين النابتين وإنما كان كذلك لأن هذه المواضع بحذاء هذه الأصابع ولم يجعل لبعض الأصابع عند بعض فرجة كبيرة إلا الإبهام‏.‏

فإنه أبعد ما بينه وبين الأصابع الأربع‏.‏

وذلك لأنه كان ينبغي أن تكون الأصابع من كل جهة حتى تكون مشتملة على المقبوض من كل جهة‏.‏

ولكن كان يلزم ذلك ثقل الكف وأن تكون استدارة اليد بجملتها على المستديرات ونحوها غير جيدة فخلفت الإبهام قائمة مقام أصابع مقابلة لهذه الأربع ومع أنه لا يلزمها ذلك وذلك لأن هذه الأصابع الأربع إذا اشتملت على المقبوض من جهة قاومها الإبهام من الجهة المقابلة لها فقام مقام أصابع موضوعة في الجهة المقابلة لهذه الأصابع وإنما يمكن ذلك بأن يكون ما بينها متباعداً ليكون في جهة كالمقابلة لهذه الأربع ولذلك خلقت في هذا الموضع المخصوص ولم تربط بالمشط وإلا لم تكن في ذلك الموضع بل كانت تكون قريبة من موضع الأربع فلا يتم ذلك الغرض ولها في هذا الموضع فائدة أخرى وهي أنها تكون كالصمام وهو الذي يغطى به الآنية وذلك لأن الأصابع الأخرى إذا قبضت على شيء بقي أعلاها وهو عند جانب السبابة مفتوحاً فيكون الإبهام إذا جعلت على ذلك الموضع كالغطاء والساتر للمقبوض وفائدة الرطوبة التي في مفاصل الأصابع وغيرها أن تمنع جفاف عظامها وفائدة كون تلك الرطوبة لزجة أن لا تكون بآلة مرخية ولئلا تتحلل لو كانت مائية‏.‏

وفائدة الأغشية الغضروفية أن تمنع احتكاك العظام بسبب دوام حركتها وفائدة العظام السمسمانية أن تحفظ وضع كل سلامية لئلا تميل إلى جهة وإنما اختصت مفاصل السلاميات بذلك لأنها أريد أن تكون سلسلة فلم يمكن أن تكون زوائدها شديدة الغوص في نقرها فلا بد وأن تبقى بين أطرافها خلل كثير يخشى ميل العظام إلى الجهات فيكون التركيب واهياً ولا يمكن ملء أكثر ذلك الخلل بالغضاريف كما في سائر المفاصل السلسلة وذلك لئلا يثقل الأصابع فاحتيج أن تكون بهذه العظام لأن هذه مع حفظها لو ضع السلاميات خفيفة لأنها تكون منفرجة وينبغي أن يكون في كل مفصل أربعة لتمنع الميل إلى الجهات كلها وهذا تقرير ما قالوه وعندي أن هذه العظام لا وجود لها‏.‏ والله ولي التوفيق‏.‏

  الفصل الرابع والعشرون منفعة الظفر

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه الظفر خلق لمنافع‏.‏

إلى آخر الفصل‏.‏

الشرح قد ذكر هاهنا للظفر أربع منافع‏:‏ إحداها‏:‏ أن تكون سنداً للأنملة وبيان ذلك أنه لو لا الظفر لكان طرف الأنملة عند الشد على الشيء ينضغط ويميل إلى خارج فيهن الشد لا محالة‏.‏

وثانيتها‏:‏ التمكن من لقط الأشياء الصغيرة وذلك لأن لحم الأنامل اللينة لا تقوى على ضبطها بخلاف الظفر‏.‏

وثالثتها التمكن من الحك والتنقية‏.‏

أما الحك فلأنه يحتاج فيه إلى صلابة وأما التنقية فلأنها إنما تتم بأخذ الأشياء الصغيرة عن الجلد ونحوه وقد بينا أن ذلك إنما يكون بشيء صلب‏.‏

ورابعتها أن يكون سلاحاً وذلك بالخدش ونحوه‏.‏

إحداها‏:‏ التمكن من حل العقد القوية‏.‏

وثانيتها‏:‏ أن يشق به بعض الأشياء ويقطع به ما يهون قطعه ولا يمكن ذلك بلحم الأنامل‏.‏

وثالثتها‏:‏ أن تكون زينة لأنه محسن شكل الأصابع إذ لو لاه لكان شكلها مستقبحاً والأظفار دائمة النشوء ونشوؤها ليس في جميع الأقطار بل في طولها فقط‏.‏

وذلك لأن تكونها من الفضول الأرضية التي تدفع إلى الأطراف وما يتكون منها يدفع ما أمامه حتى يمتد ويطول فلذلك ترتفع الآثار التي تكون فيها كالبياض ونحوه إلى أن تزول بالقطع ولو كان ذلك النشوء على سبيل الازدياد بالغذاء لما كان كذلك ولما كان تكونها هو من هذه الفضول وهذه الفضول توجد في جميع الأسنان لا جرم كانت تعود بعد الائتلام في جميع الأسنان‏.‏

والله ولي التوفيق‏.‏

  الفصل الخامس والعشرون تشريح عظم العانة

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه إن عند العجز عظمين‏.‏

إلى آخر الفصل‏.‏

الشرح إن هذا العظم ليس له اسم موضوع له أعني بجملته وأما عظم العانة فهو اسم لجزء هذا العظم وهو الذي من قدام‏.‏

وإنما يسمى هذا عظم العانة على سبيل تسمية الكل باسم الجزء وهذا العظم مؤلف من عظمين يتصلان من قدام بمفصل موثق وهما هناك رقيقان مثقوبان ويتصلان من خلف بعظم العجز وهو العظم العريض فرغنا من تعريفه‏.‏

وفي هذا العظم زائدتان عظميتان قائمتان يتصل بكل واحد منهما واحد من هذين العظمين ولكل واحد من أجزاء هذين العظمين اسم يخصه‏.‏

فالجزء العريض منه المسمى بالحرقفة وعظم الخاصرة‏.‏

وهو الذي في الجانب الوحشي وهو الموضع العريض منه المرتفع وحق الفخذ فيه التقعير الذي يدخل فيه رأس الفخذ وهو عظيم ليتسع لذلك الرأس ولجملة هذا العظم فوائد‏:‏ أحدها‏:‏ أن يكون كالأساس لما فوقه والحامل الناقل لما تحته‏.‏

وثانيها أن توضع عليها أعضاء كريمة وهي الرحم والمثانة وأوعية المنى والمعاء المستقيم وطرفه فتكون مستندة إليه مربوطة به‏.‏

وثالثها‏:‏ أن يكون مقلاً لما في البطن من الأمعاء والثرب لئلا ينزل شيء من ذلك عن موضعه‏.‏

ورابعها‏:‏ أن يوقي الأعضاء الموضوعة في داخله من وصول ضرر الصدمات ونحوها إليها‏.‏

وخامسها‏:‏ أن يكون مفصل الفخذ‏.‏

وسادسها‏:‏ أن يحسن بسببه شكل خصر الإنسان ويكون قوامه مستحسناً وذلك بأن ينتقل البدن من ضيق الخصر إلى ثخانة العجز وما يتصل بها بعد سعة ما بين عظمي الخاصرة‏.‏ والله ولي التوفيق‏.‏

  الفصل السادس والعشرون كلام كلي في منفعة الرجل

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه جملة الكلام في منفعة الرجل‏.‏

إلى آخر الفصل الشرح إن عبارة الكتاب في هذا ظاهرة بينة غنية عن الشرح‏.‏ والله ولي التوفيق‏.‏

  الفصل السابع والعشرون تشريح عظم الفخذ

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه وأول عظام الرجل‏.‏

إلى آخر الفصل‏.‏

الشرح إن الإنسان في أو ل ولادته تكون أسافله صغيرة ضعيفة فلذلك لا يقوى على الحركة عليها فإذا كبر قويت أسافله وعظم وركه جداً وذلك من خواص الإنسان‏.‏

وسببه أن الإنسان منتصب القامة ويقوم على رجليه فقط فاحتاج أن تكون ساقاه وقدماه عظيمتين جداً بالنسبة إلى بدنه بجملته فيحتاج أن يكون العضو الحامل لهما قوياً عظيماً‏.‏

وأما ذوات الأربع فوركها صغير جداً بالنسبة إلى أبدانها لأن قيامها على أربع ولا تحتاج أن تنتصب‏.‏ وأما الطير فشابه الإنسان من جهة قيامه على رجلين فقط‏.‏

وشابه ذوات الأربع من جهة قيامه غير منتصب إذ هو كالراكع فلذلك خلق وركه في عظمه وذوات الأربع‏.‏

وعظم الفخذ مختلف الأجزاء وذلك لأنه محدب من قدام ومن الجانب الوحشي مقعر من خلف ومن الجانب الأنسي‏.‏

وفي أسفله استعراض وله هناك جوزتان وفي أعلاه رمانة شديدة الاستدارة على عنق طويل مائل إلى الجانب الأنسي‏.‏ وهذه الرمانة تدخل في حق الورك ودون عنقه بقليل زائدتان الوحشية منهما أعظم‏.‏ والله ولي التوفيق‏.‏

  الفصل الثامن والعشرون تشريح عظم الساق

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه الشرح الساق يحتاج إلى خفة لأجل الحركة وإلى قوة لأنه حامل لما فوقه وأما الفخذ فحاجته إلى القوة أكثر لأنه حامل لما فوقه ناقل للساق وما دونه وحركته قليلة وحركة الساق كبيرة فلذلك روعي في الفخذ جانب القوة أكثر فخلق عظيماً جداً وروعي في الآخران يخلق متوسط العظم‏.‏

وكان ينبغي أن يكون عظماً واحداً ليكون أخف وأقوى ولكن مفصل القدم لا يتأتى أن يكون بعظم واحد إلا أن يكون ثخيناً جداً كما نبينه بعد‏.‏

وذلك مما لا يحتمله الساق فاحتيج أن يكون طرفه السافل من عظمين وأعلاه مستغن عن ذلك فخلق من عظم واحد واحتيج أن يكون أحد عظميه منقطعاً‏.‏

وهذان العظمان يتصلان عند طرفي المنقطع بمفصل موثق وينفرجان عند الوسط فيدخل فيما بينهما عصب وعروق‏.‏

والأنسي من هذين العظمين عظيم هو الساق بالحقيقة ويسمى‏:‏ القصبة الكبرى والزند الأنسي والوحشي منهما صغير غليظ الأسفل ليجود معه مفصل الساق مع القدم وأعلاه دقيق جداً لا يصل إلى الركبة وتسمى القصبة الصغرى‏.‏

والزند الوحشي والموضع الدقيق من الساق في مقدمه العاري من اللحم يسمى‏:‏ ظهر الساق والموضعان اللذان من جانبه في أسفله وهما طرفا القصبتين يسميان الكوع والكرسوع تشبيهاً لهما بمفصل الرسغ والعظمان الناتئان في هذين الموضعين العاريين من اللحم يسميهما الناس في العرف بالكعبين‏.‏

وقال جالينوس‏:‏ غلط من سماها بذلك كل الغلط‏.‏

وقال‏:‏ إن الكعب هو عظم داخل هذين الموضعين يحيطان به وهو مغطى من جميع النواحي‏.‏

وأما هذان الموضعان فهما طرفي القصبتين محدبتان من خارج وهذه التخطئة لا أصل لها فإن لكل أحد أن يسمي بلفظه ما شاء‏.‏ على أن الكعب في اللغة هو النتوء والارتفاع وهذان العظمان كذلك ولذلك سمي العقب في العرف كعباً وأيضاً ولا مشاحة في ذلك‏.‏ والله ولي التوفيق‏.‏

  الفصل التاسع والعشرون مفصل الركبة

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه ويحدث مفصل الركبة‏.‏

إلى آخر الفصل‏.‏

الشرح إن في الطرف العالي من القصبة الكبرى لاحقة فيها نقرتان تدخل فيهما الجوزتان اللتان في الطرف الأسفل من عظم الفخذ وينتؤ ما بين نقرتي هذه القصبة زائدة جرمها بين الغضروف والعصب تدخل فيما بين الجوزتين في موضع غائر شبيه بالجزء وعلى هذا المفصل من قدام الرضفة وهي عظم غضروفي مستدير ذو نقر تدخل فيه الحدبات التي من العظام التي تحته فلذلك تكون هذه النقر على أشكال تلك الحدبات وتنتو من زائدة قصيرة تدخل الخلل التي تلتقي بين عظم الفخذ وعظم الساق وخلق هذا العظم غضروفياً ليكون بلينه صبوراً على ملاقاة الصدمات فلا يعرض له انصداع لأجل رقته فإن الرقيق إذا كان صلباً كان متهيئاً بسرعة للانشقاق‏.‏ وخلق مستديراً ليكون ما يستره أكثر‏.‏

ولأجل استدارته يسمى الفلكة وخلق ذا نقرة وزائدة لتكون مداخلته للعظام التي تحته كبيرة فلا يزول عن موضعه مع دفع تلك العظام له عند الجثو ونوحه‏.‏

وخلق إلى ما يلي من قدام لأن أكثر ما يلحق هذا المفصل من العنف هو من قدام‏.‏

وإنما كان كذلك لأن مؤخر الإنسان ثقيل فيكون عند الجثو ونحوه مائلاً إلى قدام بخلاف الطيور فإن ثقلها كله من قدام فلذلك جعلت حدبات ركبها إلى خلف وتثني أرجلها إلى قدام‏.‏ واختص الإنسان بأنه ذو رجلين‏.‏ ويثنيهما إلى خلف‏.‏ والله ولي التوفيق‏.‏

  الفصل الثلاثون تشريح عظام القدم

والكلام في هذا الفصل يشتمل على بحثين

  البحث الأول هيئة جملة القدم

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه وأما القدم فقد خلق‏.‏

إلى قوله‏:‏ وعظام القدم ستة وعشرون كعب به‏.‏

الشرح لما كان الإنسان بخلاف باقي الحيوانات منتصب القامة وكان انتصابه على رجلين وأعالي بدنه ثقيل لم يكن له بد من أن يكون قدمه طويلاً ليشتمل على جزء كبير من الموطؤ فيكون يمكن القيام عليه أكثر ويجب أن لا يكون طويلاً جداً وإلا كان يثقل الرجل ويعاوق عن الحركة بل جعل طوله قريباً من سبع القامة ليجمع بين جودة الثبات والخفة ولا بد وأن يكون هذا القدم إلى قدام لأن ذلك هو جهة ميل البدن بثقله إذ مقدم البدن أثقل من مؤخره لأن الأعضاء الثقيلة كالرأس وما دونه مائلة إلى قدام لأن ذلك هو جهة ميل وخصوصاً عند الهرم وخلق له الأخمص لفوائد‏:‏ إحداها‏:‏ أن يخف فلا يثقل على الرجل‏.‏

وثانيتها‏:‏ ليجود الوطىء على المحدبات‏.‏

وثالثتها‏:‏ أن المشي إنما يتم برفع إحدى الرجلين حيث يراد الانتقال ولا بد من ثبات الرجل الأخرى ليمكن بقاء البدن منتصباً وعند رفع إحدى الرجلين لا بد وأن يميل البدن إلى ضد جهتها كما إذا رفعنا أحد جانبي جسم ثقيل فإنا نجد ذلك الجسم يميل لا محالة إلى ضد جهة ذلك الجانب وتقعير الأخمص يوجب ميل البدن حينئذٍ إلى جهته وهي جهة الرجل المرفوعة فيقاوم الميلان لا محالة ويبقى البدن على انتصابه ولذلك من يفقد له هذا الأخمص فإن بدنه يميل في حال مشيه عند رفع كل رجل إلى ضد جهتها‏.‏

ولقائل أن يقول‏:‏ إنما يلزم الميل إلى ضد جهة المشيل إذا كان ذلك المشيل بحيث لا تكون حركته بانفراده كطرف الخشبة مثلاً‏.‏

وأما إذا لم يكن كذلك بل كان المشيل له انفصال عن الباقي حتى تمكن حركته بانفراده كما في الرجل فإنه إنما يلزم من رفعه ميل الباقي إلى تلك الجهة بعينها كما لو أزلنا إحدى الدعامتين فإن الجسم المدعوم إنما‏:‏ يميل حينئذٍ إلى جهة المزيلة‏.‏

ولكن في حال إزالتها إنما يكون الميل إلى ضد تلك الجهة لأن هذه الإزالة إنما تكون بعد رفع جزء من الباقي حتى يزول الثقل عن الدعامة فيزول‏.‏

ويلزم ذلك ميل الجسم إلى ضد جهتها وليس لكم أن تقولوا إن الدعامة قد يمكن إزالتها بدون ذلك بأن تجر مثلاً لأنا نقول‏:‏ إن الحال في رفع الرجل عند المشي ليس كذلك لأن الرجل إنما ترفع بتقلص العضل الرافعة لها تقلصاً إلى فوق ويلزم ذلك رفع بعض أجزاء البدن وذلك يلزمه كما قلنا ميله إلى ضد جهة تلك الرجل‏.‏

ورابعتها‏:‏ أن الإنسان قد يحتاج إلى الانتصاب على رجل واحدة مدة ما ولولا الأخمص لكان البدن حينئذٍ قد يميل إلى ضد تلك الجهة وأما إذا مال إليها لم يجد هناك رجلا يضعها ليمنع السقوط فيسقط ولا كذلك الحال مع وجود الأخمص فإن الميل حينئذٍ إنما يكون إلى جهته لا أعني بذلك حال رفع الرجل بل بعد الفراغ من تلك الحركة وبقاء البدن على الرجل الواحدة‏.‏

وإذا كان كذلك فإن للإنسان حينئذٍ أن يضع الرجل المشيلة فتمنع السقوط فيكون في خلقه الأخمص تمكناً من وقوف الإنسان مدة على رجل واحدة من غير ضرر من السقوط‏.‏

والله ولي التوفيق‏.‏

  البحث الثاني ووصفه ومنفعته

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه وعظام القدم ستة وعشرون‏.‏

إلى آخر الفصل‏.‏

الشرح إن أجزام القدم مقسومة إلى ستة أقسام وهي‏:‏ الكعب والعقب والعظم الزورقي وعظام الرسغ وعظام المشط وعظام الأصابع‏.‏

ونحن الآن نتكلم في كل واحد منها‏.‏

فنقول‏:‏ أما الكعب فالإنساني منه أشد تكعيباً وأشد تهندماً مما في سائر الحيوان‏.‏

وذلك لأن لرجليه قدماً وأصابع تحتاج في تحريك قدمه انبساطاً وانقباضاً وذلك بحركة سهلة ليسهل عليه الوطىء على الأرض المائلة إلى الارتفاع أو الانخفاض وعلى المستوية‏.‏

فلذلك تحتاج أن يكون مفصل ساقه مع قدمه مع قوته وإحكامه سلساً سهل الحركة وهذا المفصل لا يمكن أن يكون بزائدة واحدة مستديرة تدخل في حفرة مستديرة وإلا كان يسهل دوران تلك الزائدة في حفرتها فكان يحدث للقدم كذلك أن يتحرك مقدمه إلى جهة جانبه بل إلى جهة مؤخره وكان يلزم ذلك فساد التركيب ومصاكة إحدى القدمين للأخرى‏.‏

ولا بد وأن يكون بزائدتين حتى تكون كل واحدة منهما مانعة من حركة الأخرى على الاستدارة ولا يمكن أن تكون إحدى الزائدتين خلفاً‏.‏

والأخرى قداماً لأن ذلك مما تعسر معه حركة الانبساط والانقباض اللتين بمقدم القدم‏.‏

فلا بد وأن تكون هاتان الزائدتان إحداهما يميناً والأخرى شمالاً ولا بد وأن يكون بينهما تباعد له قدر يعتد به ليكون امتناع تحرك كل واحدة منهما على الاستدارة أكثر وأشد فلذلك فلا يمكن أن يكون مع ذلك قصبة واحدة‏.‏

فلا بد من أن تكون مع قصبتين ولو كان بقدر مجموعهما عظم واحد لكان يجب أن يكون ذلك العظم ثخيناً جداً وكان يلزم ذلك ثقل الرأس الساق فلذلك لا بد وأن يكون اسفل الساق عند هذا المفصل قصبتين وأما أعلى الساق وذلك حيث مفصل الركبة فإنه يكتفي فيه بقصبة واحدة‏.‏

فلذلك احتيج أن تكون إحدى قصبتي الساق منقطعة عند أعلى الساق‏.‏

ويجب أن تكون الحفرتان في هاتين القصبتين والزائدتان في العظم الذي في القدم لأن هاتين القصبتين يراد منهما الخفة‏.‏

وذلك ينافي أن تكون الزوائد فيهما لأن ذلك تلزمه زيادة الثقل والحفرة تلزمها زيادة الخفة فلذلك كان هذا المفصل بحفرتين في طرفي القصبتين وزائدتين في العظم الذي في القدم‏.‏

وهذا العظم لا يمكن أن يكون هو العقب لأن العقب يحتاج فيه إلى شدة الثبات على الأرض وذلك ينافي أن يكون به هذا المفصل لأن هذا المفصل يحتاج أن يكون سلساً جداً لئلا يكون ارتفاع مقدم القدم وانخفاضه عسرين وغير العقب من باقي عظام القدم بعيد أن يكون له هذا المفصل إلا الكعب فلذلك يجب أن يكون له هذا المفصل جاذباً من طرف القصبتين والعظم الذي هو الكعب وأن تكون النقرتان في طرفي القصبتين والزائدتين في الكعب ويجب أن يكون الكعب مشدوداً مشدوداً جداً بما يليه من عظام القدم حتى تكون حركته يلزمها حركة القدم فلذلك طرفاه يرتكزان في العقب في نقرتين يمنه ويسره وذلك من جهة خلفه وأما من قدام فيرتبط بالعظم الزورقي وأما من الجانبين فيرتبط بقصبتي الساق‏.‏

وهاتان القصبتان محيطتان بطرفيهما من الجانبين‏.‏

وذلك بالعظمين النابتين اللذين يسميان بالكعبين وقد ذكرناهما‏.‏

وأما العظم الزورقي فهو عظم يمتد من قدام الكعب ويرتبط به هناك ويمتد فوق القدم في الجانب الأنسي فوق الأخمص‏.‏

وبذلك يرتفع ذلك الموضع فيكون هذا العظم كالدعامة للقصبة الكبرى التي هي بالحقيقة الساق‏.‏

وإنما جعلت هذه الدعامة في الجانب الأنسي من القدم ليكون في منتصف ثقل البدن كله‏.‏

ولهذا العظم فوائد‏:‏ إحداها‏:‏ أن يكون دعامة للساق مانعة من سهولة سقوط البدن بثقله إلى قدا‏.‏

وثانيتها‏:‏ أن يتم به تحرك القدم إلى الالتواء والانبطاح ونحو الوحشي والأنسي‏.‏

وذلك لأن هذا العظم هو نظير الزند الأعلى في الساعد إذ بذلك الزند تتم حركة للساعد حركة الالتواء والانبطاح وكذلك هذا العظم به تتم للقدم حركة الدوران نحو الجانبين‏.‏

فإن الإنسان قد يحتاج إلى ذلك عند حاجته إلى الثبات قائماً على حرف قدمه‏.‏

وذلك كما إذا كان عند أخمصه جراحة ونحو ذلك‏.‏

وثالثتها‏:‏ أن يجود به شكل القدم فلا يكون عند الأخمص رقيقاً جداً ضعيفاً ثم إن هذا العظم الزورقي يرتبط من خلف وأسفل بعظم العقب ومن قدام بعظام الرسغ وبذلك يستحكم رباطه‏.‏

حتى يلزم من تحركه تحرك القدم إلى الجانبين والإبهام في الرجل بخلاف الإبهام في اليد فإن المقصود بها في اليد أن تكون كالمقاومة للأصابع الأربع عند القبض فلذلك احتيج أن يكون بينهما وبين تلك الأصابع فرجة كبيرة‏.‏

وأما في الرجل فالمقصود بها قوة الثبات على الموطؤ عليه‏.‏

فلذلك خلقت في صف بقية الأصابع إذا كان المقصود في الكل متشابهاً وإنما نقصت سلامية لتكون أقوى على الثبات فإن كثرة المفاصل يهن القوة لا محالة ولذلك خلقت غليظة‏.‏

وأما تفصيل عدد العظام فإن الرأس فيه أحد عشر عظماً‏:‏ اثنان‏:‏ هما عظما اليافوخ‏.‏

وأربعة‏:‏ كالجدران‏.‏

وأربعة‏:‏ في الصدغين‏.‏

والأسنان اثنان وثلاثون سناً واللحى الأعلى من أربع عشرة عظمة ستة في العينين وعظمان تحت الأنف منحرفان وعظمان مثلثان يتركب الأنف عليهما وعظما الأنف وعظما الوجنة‏.‏

واللحى الأسفل من عظمين‏.‏

وفقار الصلب ثلاثون فقرة‏:‏ سبع في العنق‏.‏

واثنتا عشرة في الظهر وخمس في القطن وثلاث في العجز وثلاث في العصعص والأضلاع أربعة وعشرون ضلعاً‏:‏ سبعة من كل جانب من فوق ملتقية عند القص وخمسة قصار هن أضلاع الخلف‏.‏ وعظام القص سبعة‏.‏ والكتفان عظمان‏.‏ والترقوتان عظمان وعظم العانة عظمان‏.‏

وفي كل يد ثلاثون عظماً‏:‏ عضد وزندان واثنا عشر في الكف وخمسة عشر في الأصابع‏.‏

وكذلك في كل رجل ثلاثون عظماً‏:‏ فخذ وقصبتان ورضفة وكعب وعقب والعظم الزورقي وأربعة في الرسغ وخمسة في المشط وأربعة عشر في الأصابع‏.‏ فلذلك يكون عدد العظام على هذا مائتين وثمانية وأربعين عظماً‏.‏

قال جالينوس‏:‏ وهذا سوى العظم اللامي الذي في الحنجرة والعظم الذي في القلب‏.‏ والله أعلم بغيبه‏.‏

تم تشريح العظام

  الجملة الثانية العضل

وهي تسعة وعشرون فصلاً

  الفصل الأول كلام كُلّي في العصب والعضل والوتر والرّباط

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه لما كانت الحركة الإرادية‏.‏ إلى آخر الفصل‏.‏

الشرح غرضه الآن بيان فائدة كل واحد من هذه الأعضاء‏.‏

قوله‏:‏ إذ كانت العظام صلبة والعصب لطيفاً‏.‏

يريد باللطيف ها هنا الرقيق الدقيق الصغير الحجم و كان كذلك لا يحسن اتصاله بالصلب لأن الصلب يلزمه أن يكون ثقيلاً والثقيل لا يقوي اللطيف على إقلاله ويريد بهذا أن العظام مع كونها صلبة كبيرة المقدار إذ لو كانت صغيرة جداً لم يكن إيصال العصب بها ضاراً لكن الصغير وإن كان صلباً فهو خفيف لقلة جرمه‏.‏

قوله‏:‏ ولما كان الجرم الملتئم من العصب والرباط على كل حال رقيقاً إنما كان كذلك لأن هذا الرباط لا يجوز أن يكون غالباً على العصب جداً وإلا كان ثقيلاً وكان العصب فهولا محالة يحمله عند تحريكه فيعود المحذور المذكور‏.‏ والعصب لا بد وأن يكون دقيقاً لما ذكره بعد هذا‏.‏ ويلزم ذلك أن لا يكون المجتمع منهما غليظاً جداً‏.‏

والأولى أنه كان يقول‏:‏ والقوة المحركة إنما هي في العصب‏.‏

فلو لم يحدث العضل لكان العصب إذا حمل حركة العضو احتاج إلى حمل ما معه من الرباط وجذبه إلى جهة مبدئه فيكون ذلك زيادة ثقل على العضو المتحرك فلا بد من حدوث العضل حتى يكون جذب العصب إلى موضعها فتكون المسافة قريبة فيكون في ذلك أمن من انقطاعها الذي أو جبه بعد المسافة وزيادة الثقل حينئذٍ محتملة لأنها حينئذٍ يسيرة جداً بالنسبة إلى الوهن الذي كان يوجبه بعد المسافة‏.‏

وفائدة حشو العضلة باللحم أن يبقى وضع أليافها محفوظاً وإنما جعل من اللحم لأنه لو جعل من عضو صلب لم يمكن تقلص تلك الليف عند إرادة تحريك العضو‏.‏

ولو جعل من الشحم ونحوه لكان يزيد تلك الألياف برداً فجعل من اللحم لأنه مع لينه يسخن تسخيناً معتدلاً لبرد العصب والرباط وإنما جعل في وسط العضلة كالمحور من جوهر العصب ليكون جوهر العصب ليس بكثير الانتعاش فيضعف وإنما جللت العضلة بالغشاء ليكون لها حس من خارج ولا بد وأن يكون الرباط الذي يحدث منه ومن العصب العضلة رباطاً متصلاً بعظم قريب منها حتى تكون مرتبطة بها فلا يزول عن مكانها عند جذب الوتر ذلك العضو المتحرك‏.‏

والله ولي التوفيق‏.‏

  الفصل الثاني تشريح عضل الجبهة

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه من المعلوم أن عضل الوجه‏.‏

إلى آخر الفصل‏.‏

الشرح قوله من المعلوم أن عضل الوجه على عدد الأعضاء المتحركة في الوجه يريد أن أنواعها على عدد الأعضاء المتحركة أعني المتحركة بذاتها بعضل يخصها وأما ما يتحرك بالغرض كحركة عضو تبعاً لحركة آخر أو بالذات ولكن بشركة عضو آخر فإنه لا يلزم أن يكون له نوع من العضل على حدة ولا يلزم أيضاً أن يكون عدد أشخاص العضل على عدد الأعضاء المتحركة بذواتها وبانفرادها إذ قد يكون لعضو واحد عضلتان‏.‏

وثلاثة تحركه حركة واحدة وذلك بأن تكون حركته تلك بفعل الكل جملة أو بفعل بعضها بدلاً من البعض وإنما يلزم ذلك أن تكون الأنواع على عدد تلك الأعضاء وأعني بهذه الأنواع التي تكون نوعيتها بالإضافة إلى الأنواع المختلفة كقولنا عضل حركة الخد وعضل حركة الصدر ونحو ذلك‏.‏

وإن كان الكل من حيث هو عضل نوعاً واحداً وإنما كانت عضلة الجبهة رقيقة لِأن العضو المتحرك بها وهو الجلد خفيف فلا تكون محتاجة إلى كثير من جرم الرباط والعصب وإنما كانت مستعرضة ليمكن أن تعم جميع أجزاء الجلد لأن هذه العضلة نحرك العضو المتحرك بها بغير وتر بل بذاتها وإنما كان كذلك لأن تحريكها له لو كان بوتر لكان ذلك الوتر إما أن ينبسط طرفه حتى يلاقي جميع أجزاء الجلد أو لا يكون كذلك‏.‏

فإن كان الثاني لم يلزم من تحريكها إلا تحريك الجزء الذي يتصل به ذلك الوتر إذ الجلد شديد القبول للتمدد فإذا انجذب منه جزء لم يلزم ذلك انجذاب باقيه‏.‏

وإن كان الأول لم تكن حاجة إلى ذلك الوتر إذ هذا الاتصال يمكن حصوله من ألياف العضلة من غير حاجة إلى وتر يزيد في ثخنها فيزيد في نتوء الجبهة ويكون ذلك منكراً في الخلق وإنما كانت هذه العضلة غشائية لأنها لرقتها وقلة اللحم فيها تكون كالغشاء‏.‏

وإنما كانت شديدة المخالطة للجلد لأنها تحتاج أن تكون ملاقية لجميع أجزائه حتى يكون تحريكها لجميع الأجزاء جملةً واحدةً‏.‏ والله ولي التوفيق‏.‏

  الفصل الثالث تشريح عضل المقلة

وأما العضل المحركة للمقلة‏.‏

إلى آخر الفصل‏.‏

الشرح إنما يتم الإبصار كما بيناه في موضعه بأن يصير الثقب العيني مواجهاً للمرئي‏.‏

وعلى سمته حتى يتأدى شبحه إلى هناك‏.‏

وهذه المواجهة قد تتحقق بحركة المرئي وذلك قد لا يتأتى في كل وقت‏.‏ أو يكون عسراً‏.‏

وقد يتحقق بحركة الرائي وهو أسهل وأسهل ذلك أن يكون المتحرك هو المقل نفسها مع بقاء البدن على وضعه‏.‏

فلذلك ينبغي أن يكون للمقلة تمكن من جميع الحركات التي تتحقق معها مواجهة المرئيات‏.‏

وهذه الحركة إما أن تكون مستقيمة أو مستديرة‏.‏

فإن كانت مستقيمة فلا بد وأن تكون إلى جهة لكن الجهات ست‏:‏ اثنان منها لا يحتاج إليهما وهما‏:‏ الخلف والقدام‏.‏ لأن المواجهة تتحقق بدونهما لأنها إنما تتوقف على المسامتة‏.‏

وهي لا تختلف مع القرب والبعد فتبقى الجهات التي تحتاج المقلة أن تتحرك بالاستقامة إلى واحدة منها أو إلى أكثر من واحدة أربعاً وهي‏:‏ الفوق والأسفل واليمين واليسار‏.‏

فلذلك حركة المقلة بالاستقامة إما إلى جهة واحدة فتكون إلى إحدى هذه الجهات وكل واحدة منها إنما تكون بعضلة تحركها إلى تلك الجهة فتحتاج لذلك إلى أربع عضلات أو إلى أكثر من جهة واحدة‏.‏

ولا يمكن أن يكون ذلك إلى أكثر من جهتين وإلا لزم أن تكون الحركة في حال واحدة إلى جهتين متضادتين ولا شك أن ذلك محال فينبغي أن تكون جهتين فقط‏.‏

فالمحركة إلى فوق إما أن تكون مع ذلك إلى اليمين أو إلى الشمال وكذلك المحركة الأسفل فيكون من ذلك أربع حركات ولكن هذه الحركات لا يحتاج فيها إلى عضلات غير تلك الأربع‏.‏

وذلك لأن الحركة إلى اليمين والفوق تحصل بفعل العضلتين المحركتين إلى هاتين الجهتين‏.‏

وكذلك الباقي فلذلك تتم حركات المقلة المستقيمة كلها بأربع عضلات وأما حركاتها على الاستدارة‏.‏ فإنما يمكن على وجهين فقط فلذلك تتم بإحدى عضلتين‏.‏ فلذلك كانت العضلات المحركة للمقلة ستاً‏.‏ وقد قيل إنها خمس وهو ظاهر الفساد‏.‏

وأما العضل التي تدعم العصبة المجوفة من وراء المقلة من الجحوظ المفرط عند التحديق القوي كما عند تكلف رؤية الأشياء الصغيرة جداً من بعد فقط قيل إنها عضلة واحدة بسيطة‏.‏

وهو المشهور والحق‏.‏ وقيل بل واحدة مركبة من عضلتين‏.‏

وقيل بل ثلاث عضلات وقيل إنها ليست واحدة بل اثنتان وقيل ثلاث‏.‏ والله أعلم بغيبه‏.‏

  الفصل الرابع تشريح عضلات الجفن

والكلام يشتمل فيه على بحثين

  البحث الأول السبب في أن الجفن المتحرك هو الأعلى في الإنسان ونحوه هو الجفن الأعلى

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه وأما الجفن فلما كان‏.‏

إلى قوله‏:‏ ولما كان الجفن الأعلى يحتاج إلى حركتي الارتفاع‏.‏

الشرح كل حيوان فإما أن لا يكون له عين ظاهرة كالخلد‏.‏

فهذا ظاهر أنه لا يحتاج إلى جفن البتة فضلاً عن حركة الجفن أو تكون له عين ظاهرة فإما أن يكون جلده صلباً كما في السمك فهذا لا يمكن أن يكون له جفن يتحرك فلا يكون له تغميض فلا بد وأن تكون عينه صلبة لتكون بعيدة عن قبول الآفات أكثر أو لا يكون جلده صلباً‏.‏

فإما أن يكون من الطيور أو لا يكون كذلك فإن كان من الطيور كان الجفن المتحرك منه هو الجفن الأسفل وهذا إما أن يكون من الجوارح فيكون مع ذلك بعينه غشاء صفاقي يتحرك من تحت الجفن يغطي به الحدقة تارة ويكشفها أخرى أو لا يكون من الجوارح فلا يكون له ذلك‏.‏

فإن كان الحيوان الذي جلده لين ليس من الطيور فلا بد وأن يكون جفنه المتحرك هو الجفن الأعلى‏.‏

وذلك لأن المتحرك لو كان هو السافل لكانت العضل المشيل له إلى فوق إما أن يتصل بطرفيه أو بأحدهما فلا يلزم من رفع ذلك رفع وسط الجفن فلا يتم تغميض العين بل يبقى الموضع الذي الحاجة إلى ستره أشد وهو موضع الباصر مكشوفاً أو يكون اتصال ذلك العضل بوسط الجفن فيلزم ذلك ستر موضع الباصرة بالوتر النازل دائماً‏.‏

وذلك مبطل لفائدة العين‏.‏

فلذلك كانت حركة الجفن الأسفل في هذا الحيوان مما لا يجوز البتة فوجب أن يكون المتحرك هو الجفن الأعلى‏.‏

قوله‏:‏ لكن عناية الصانع مصروفة إلى تقريب الأفعال من مبادئها وإلى توجيه الأسباب إلى غاياتها على أعدل طريق وأقوم منهج إن عني ها هنا بالأقوم ما هو أكثر استقامة فذلك ممنوع فإن التعريج قد يكون أو فق وخصوصاً الأعصاب الدماغية المحركة‏.‏

فإنها بكونها محركة تحتاج أن تكون صلبة وكونها دماغية يوجب لها أن تكون لينة فتحتاج إلى تعريج مسلكها لتطول المسافة فتصلب ولو سلم له ذلك لم يفده لأن المتحرك سواء كان الجفن العالي أو السافل فلا بد من عضل نحو الأسفل يحيط الجفن وعضل من فوق يرفعه‏.‏

والله ولي التوفيق‏.‏

  البحث الثاني العضل المحرك للجفن الأعلى وموضعه

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه ولما كان الجفن الأعلى يحتاج إلى حركتي‏.‏

إلى آخر الفصل‏.‏

الشرح إذا جذب طرف الجفن الأعلى إلى أسفل لزم ذلك تغميض العين‏.‏

ولا كذلك لو جذب طرف الجفن الأسفل إلى فوق‏.‏

وذلك لأن الثقل الطبيعي الذي للجفن الأعلى يعاون على تلك الحركة ويمانع منها ثقل الجفن الأسفل‏.‏ والله ولي التوفيق‏.‏

  الفصل الخامس تشريح عضل الخد

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه الخد له حركتان‏.‏

إلى آخر الفصل‏.‏

الشرح إن حركة الخد غير مقصودة لذاتها إذ لا يتبعها فعل من الأفعال الإنسانية ولكنها تقع إما ضرورية كما في حركته تبعاً لحركة الفك الأسفل وإما للإعانة على حركة عضو آخر كما في حركته بشركة حركة الشفّة‏.‏

والحاجة إلى تحريك الشفتين هو التمكن من جودة إخراج الحروف والحركات كالضم والفتح والكسر‏.‏

ولما كان ذلك يحوج إلى تفنن هذه الحركات بحسب تفنن أنواع الحروف وما يكون منها من الحركات وجب أن يكون للشفتين حركات متفننة‏.‏

وكان ينبغي أن يكون لكل واحد منها عضلة لكن كان يعرض من ذلك انتفاخ الخد جداً فجعل ذلك لعضلة واحدة‏.‏

ويختلف ما يوجبه من الحركات باختلاف أجزائها وأعان على ذلك خفة العضو المتحرك وصغره‏.‏ والله ولي التوفيق‏.‏

  الفصل السادس تشريح عضل الشفة

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه أما الشفة فمن عضلها‏.‏

إلى آخر الفصل‏.‏

الشرح لما كانت الحركات المذكورة أو لاً للشفة حركات سهلة أمكن أن يكون بعضل مشترك بينها وبين الخد وأن تكون بعضلة واحدة حركات كثيرة‏.‏

وأما هذه الحركات فلعسرها احتيج أن تكون بعضل خاص وأن يكون لكل حركة عضلة وبيان عسرها أن الجسم الواحد إذا اتصل طرفه بجسم آخر كان تحريكه بدون تحريك ذلك الآخر عسراً لا محالة‏.‏ والله ولي التوفيق‏.‏

  الفصل السابع تشريح عضل المنخر

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه وأما طرفا الأرنبة فقد‏.‏

إلى آخر الفصل‏.‏

الشرح الحاجة إلى تحريك المنخر هو عند إرادة دفع الفضول بالارتعاد والانتفاض وعند إرادة زيادة في جذب الهواء ودفعه كما في التنفس وذلك بالانبساط والانقباض ولما كان الاحتياج إلى ذلك نادراً لا جرم كانت الحاجة إلى تحريك الشفتين‏.‏

أكثر ولما لم يكن بد من تصغير عضل أحد هذين النوعين لئلا يزداد نتوء الوجنة كان تصغير عضل الحركة التي يحتاج فيها في أو قات أقل أولى‏.‏

وأما وجوب أن تكون هذه العضلات قوية فلأجل صغرها ولأجل عسر هذه الحركة لأن العضو المتحرك بها صلب فلا يكون شديد القبول للتمدد ونحوها مما توجبه الحركات قبولاً سهلاً بسهولة لقبول الشفتين‏.‏ والله ولي التوفيق‏.‏

  الفصل الثامن تشريح عضل الفك الأسفل

والكلام في هذا يشتمل على أربعة مباحث‏:‏

  البحث الأول السبب في اختصاص الفك الأسفل بالحركة

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه قد خص الفك الأسفل‏.‏

إلى قوله‏:‏ ثم حركات الفك الأسفل لم يحتج فيها أن تكون‏.‏

الشرح كل حيوان فإن الفك المتحرك منه هو الفك الأسفل إلا التمساح فإنه إنما يحرك فكه الأعلى‏.‏

أما الأول فقد ذكر الشيخ أسباباً‏:‏ أحدها‏:‏ أن الفك الأسفل أخف وتحريك الأخف أحسن لأن ذلك أسهل‏.‏

وإنما كان أخف لأن الأعلى احتيج فيه إلى أن يكون ساتراً واقياً لما وراءه من الدماغ‏.‏

ولأنه تكون فيه أعضاء كريمة فاحتيج أن يكون عظيماً صلباً‏.‏ ويلزم ذلك أن يكون ثقيلاً ولا كذلك ها هنا‏.‏

وثانيها‏:‏ أن المتحرك لو كان هو الأعلى وهو مشتمل على أعضاء كريمة لينة لكانت الحركة تضر بتلك الأعضاء لما يلزمها من تمديد بعض جرمها وانقباضه‏.‏ وخصوصاً الأعصاب‏.‏

وإنما اختصت هذه الأعضاء بالفك الأعلى لأن أفعالها إنما تتم إذا كانت قريبة جداً من الدماغ كما نبينه في موضعه‏.‏ والفك الأسفل أبعد من الدماغ‏.‏

وثالثها‏:‏ أن المتحرك لو كان هو الفك الأعلى لاحتيج أن يكون مفصله مع الرأس سلساً ولو كان كذلك لما أمكن أن يكون على سبيل الشأن أو الفراق كما بيناه أو لاً بل لا بد وأن تكون على هيئة الركز‏.‏

ولو خلق كذلك لتهيأ للانخلاع بسبب ثقله وكان انخلاعه شديد الإضرار بالأعضاء التي فيه‏.‏

وها هنا أمران‏:‏ آخران يوجبان اختصاص الحركة بالفك الأسفل‏:‏ أحدهما‏:‏ أنه لو كان المتحرك هو الأعلى والأسفل يكون ساكناً لكان مفصل الأسفل يحتاج أن يكون موثقاً وإنما يلزم أن يكون كذلك إذا كان شديد الاتصال بعظام الرأس والعنق وإنما يكون كذلك إذ كان عظيماً جداً ويلزم ذلك أن يكون ثقيلاً ويلزم ذلك زيادة ثقل الوجه‏.‏

وثانيهما‏:‏ لو كان المتحرك هو الفك الأعلى لكان الفغر إنما يتأتى مع تحريك طرفه إلى قدام الوجه لأنه لم يمكن متمكناً من الارتفاع كثيراً بمنع عظام الرأس له عن ذلك ولو كان كذلك لاحتاج أن يكون هذا التحريك كثيراً جداً عند إرادة أن يكون الفغر واسعاً‏.‏

ويلزم ذلك أن ينتو مواضع أو تار العضل المحركة تلك الحركة لأنها إنما تكون آتية إليه من فوق وعند حركته إلى قدام يخرج طرفه عن سمت مواضع تلك العضل ويلزم ذلك نتوء مواضع الأوتار وذلك يلزمه قبح صورة الوجه جداً‏.‏ ولا كذلك إذا كان المتحرك هو الفك الأسفل‏.‏

وأما الثاني وهو اختصاص التمساح بحركة الفك الأعلى فلأنه حيوان غذاؤه بالصيد ويداه خفيتان لا يتمكن من الثبات عليها حالة الصيد كما في الأسد ونحوه فيحتاج أن يكون نهشه قوياً جداً ليتدارك بذلك ما فاته بضعف اليدين‏.‏

وإنما يكون قوياً إذا كان العضو لمتحرك بالإرادة متحركاً بالطبع أيضاً‏.‏

ولو كان المتحرك هو الفك الأسفل لكان الأمر بضد ذلك لأن الفك الأسفل تكون حركته عند العض والنهش الصادرة عن الإرادة مضادة لحركته بالطبع لأن تلك الحركة إلى فوق وحركته بالطبع إلى أسفل فلأجل احتياج التمساح إلى قوة العض جعلت أسنانه العالية موضع السافلة كمنشارين تدخل زوائد كل واحد منهما في حفر الآخر‏.‏

والله ولي التوفيق‏.‏

  البحث الثاني عضل إطباق الفم

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه ثم حركات الفك الأسفل لم يحتج فيها‏.‏

إلى قوله وأما عضل الفغر وإنزال الفك‏.‏

الشرح إنما يحتاج هذا الفك إلى الحركة في أحوال‏:‏ أحدها‏:‏ عند الكلام وذلك يتم بفغر الفم وإطباقه بقدر يصلح لإخراج الحروف‏.‏

وثانيها‏:‏ عند إيراد النفس من الفم إما لسدة في الأنف أو لأن التنفس به لا يكفي وذلك يتم بحركة الفغر‏.‏

وثالثها‏:‏ عند العض والكلام وذلك يتم بحركة الفغر والإطباق‏.‏

ورابعها‏:‏ عند المضغ وذلك يحوج فيه إلى هاتين الحركتين مع حركة سحق المأكول وهي إنما تتم بإدارة الفك‏.‏ أما الاحتياج حينئذٍ إلى الإطباق فظاهر‏.‏ وأما الاحتياج إلى الفغر فليمكن إدخال اللقمة وليتسع بها ما بين الأسنان وليمكن الإطباق‏.‏ فإنه إنما يكون بعد الغفر‏.‏

فإذا الحركات التي يحتاج إليها هذا الفك لا تزيد على هذه الثلاثة وإنما احتيج أن يكون العضل المطبق عند الصدغين لأن أو تار هذا العضل يحتاج أن يتصل بأطراف هذا الفك ليتمكن من رفعه‏.‏

فلو وضعت في غير موضع الصدغ لافتقرت عند هذه الإشالة إلى رفع جلدة الوجنة عند مواضع الأوتار‏.‏ وذلك لأجل بعد حافة الفك حينئذٍ‏.‏

ويلزم ذلك قبح صورته فاحتيج أن يكون عند الصدغين وتكون الأوتار متصلة بهذا الفك عند الزائدة المتقاربة وذلك الموضع قريب جداً من مقدم الدماغ وهو شديد الرطوبة فيكون العصب الآتي إلى ذلك ليناً جداً وعصب الحركة تحتاج أن يكون صلباً فاحتيج إلى تعريج مسلك هذا العصب لتطول المسافة طولاً يستفيد به صلابة ما ولكنه على كل حال لا بد وأن يكون إلى لين فيكون مستعداً للتضرر بما يرد من خارج من صدمة أو ضربة وتضرره مؤد إلى تضرر الدماغ بالمشاركة لشدة قربه منه‏.‏

فاحتيج إلى ساتر يستر هذه العضلات ليكون في كون المؤدي فخلقت لذلك عظام الزوج‏.‏

وابتداء تكون أو تارها عند طرف هذه العظام‏.‏

واختص الإنسان بصغر هذا النوع من العضل لأن حاجته إلى القتال بالعض قليلة جداً ومأكله صناعي فلا يكون شديد الصلابة ولا عسر القطع وفكه صغير جداً بالنسبة إلى باقي الحيوان وذلك بالقياس إلى بدنه ولذلك كانت حاجته إلى قوة هذا النوع من العضل أقل مما في باقي الحيوان ولأجل أن هاتين العضلتين صغيرتان وعسر رفع الشيء الثقيل وخصوصاً من طرفه خلق لهذه الحركة عضلتان من داخل الفم ينبسطان على المواضع العريضة الغائرة من هذا الفك وتمتدان شاخصتين إلى الحنك ويلتحمان بالعظام المقعرة التي هناك التي تطييف بها الزوائد الشبيهة بالأجنحة ويوجد لهما هناك وتر قوي‏.‏

ومنشأ هاتين العضلتين متصلان بعضلتي الصدغين فلذلك قيل أنهما جزء من عضلتي الصدغين وقوم منعوا وجودهما البتة‏.‏ والله ولي التوفيق‏.‏

  البحث الثالث عضل فغر الفم

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه وأما عضل الفغر وإنزال الفك‏.‏

إلى قوله وأما عضل المضغ فهما عضلتان‏.‏

الشرح هذه العضلة تكون أو لاً عضلتين دقيقتين مستطيلتين تبتدئان من خلف الأذنين ومن دونهما فإذا بلغتا أعلى مقدم العنق اتحدتا وصارتا عضلة واحدة‏.‏

ثم يخرج لتلك العضلة وتر فإذا قرب من طرف اللحى عند الذقن انتفش كرة أخرى وصارت منه عضلة والتحمت هناك باللحى وإنما خلقت كذلك لأن جذبها لا بد وأن يكون إما إلى جهة المؤخر ويلزم ذلك أن يتسفل اللحى وإما إلى أسفل وإنما يمكن ذلك أن يكون جذبها إلى أسفل إذا كان ليفها متصلاً بعظام القص لأن مقدم العنق من غضاريف لا تقوى لحركة هذه العضلة ولو خلقت كذلك لكان ليفها إذا جذب اللحى يلزمه رفع ما فوقه من الجلد مقداراً كبيراً ولا شك أن ذلك موحش للخلقة فلا بد إذاً وأن يكون جذبها إلى خلف‏.‏

وحينئذ لا بد وأن يكون ليفها متصلاً بما يحاذي طرف هذا الفك من العظام التي خلفه وذلك هو الموضع المذكور‏.‏

ولا يمكن أن يكون ابتداء ذلك الليف من جانب واحد وإلا كان الفك يميل عند الفغر إلى ذلك الجانب فلا بد وأن يكون من الجانبين فيكون من ذلك عضلتان لأن هذا الليف لا بد وأن يحتشي لحماً وإلا كان يبرد ويضعف ويتغير وضعه وحينئذٍ يصير عضلاً ويجب أن تكون كل واحدة منهما دقيقة لأن المقصود منهما ليس الانتشار والانبساط عرضاً بل أن يمران إلى الموضع الذي يتحدان فيه فينبغي أن تكون الألياف على خطوط مستقيمة أو قريبة من المستقيمة ويلزم ذلك أن تكونا دقيقتين ويجب أن يتحدا عند الحد المشترك بين العنق الأسفل وإلا كان الوتر الخارج من كل واحدة منها يرفع بعض الجلد إذا تقلص ثم بعد اتحادهما يحتاج أن يخرج الوتر من ذلك المتحد إلى الطرف السافل من هذا الفك‏.‏

وهو عند الذقن ليكون جذبه إلى أسفل غير مائل إلى جانب وينبغي أن ينتفش عند اتصاله به ليكون اتصاله به في مواضع كثيرة ويلزم ذلك الانتفاش أن يحتشي المنتفش لحماً فيصير عضلة وكلام جالينوس يشير إلى أن هذه العضلة مع العضلة المتخذة من العضلتين أعني التي في أعلى مقدم العنق كلاهما عضلة واحدة وطرفاهما لحمي ووسطها وتري ولا مشاحة في العبارة‏.‏

قوله‏:‏ ويتخلص وتراً ليزداد وثاقة ثم ينتفش كرة أخرى‏.‏ لا شك أن تكرر الانتفاش تلزمه زيادة في القوة‏.‏

ولكن الغرض به ها هنا زيادة القوة وإلا كان فعل ذلك في العضلة المطبقة للفم أولى لأن المصعد للثقيل يحتاج إلى قوة أقوى من المحرك له أسفل وخصوصاً وتلك العضلة لينة فكانت حاجتها إلى القوة أكثر بل الغرض ما ذكرناه‏.‏

وهو أن يكون الجذب على حالة لا يلزمها رفع الجلد الذي فوق الوتر عن وضعه‏.‏ والله ولي التوفيق‏.‏

  البحث الرابع عضل المضغ

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه وأما عضل المضغ فهما عضلتان‏.‏

إلى آخر الفصل‏.‏

الشرح هذا الذي ذكره الشيخ هو أحد الآراء المنقولة في هذا الفصل‏.‏

وقيل إن في كل جانب عضلتين‏.‏

وقيل إن في كل جانب ثلاث عضلات‏.‏

قال جالينوس‏:‏ إن عضلتي المضغ تلبسان من خارج على الفك الأسفل في طوله وتمران معه وتتصلان برأسيهما وترتقيان إلى الوجنة وإلى العظم الذي يقال له الزوج‏.‏

وهما في الحقيقة من كل واحد من الجانبين اثنتان لا واحدة والواحدة تميل الفك إلى قدام والأخرى إلى خلف‏.‏ وهاتان العضلتان تتصلان أيضاً بعضلتي الصدغ من دون العظم الذي يقال له الزوج داخل الزائدة التي تشبه المنقار‏.‏ والله ولي التوفيق‏.‏